إعــــلانات

التعالي أرجعنا إلى الوراء وخلق بيننا البغضاء والشحناء!

التعالي أرجعنا إلى الوراء وخلق بيننا البغضاء والشحناء!

على الرغم من أنني شخصيا أكره فرنسا الرسمية وفرنسا «الكولونيالية» و«الاستلابية» القاهرة للشعوب، إلا أنني أعجبُ من حين إلى آخر بمواقف وآراء بعض مثقفيها ومناضليها الحقوقيين، الذين كانوا بالأمس واليوم أوفياء لمفاهيم الحريات والحقوق وتطبيق العدالة الإنسانية.

وآخرها كانت حادثة للرئيس الفرنسي الحالي «ماكرون»، يوم كان متوجها لمهمة رسمية، فقابلته إحدى النساء المتحجات ورمت على سيارته بعلبة لبن، وهذا على مرأى منه.

وفي مرة أخرى، مرّ من نفس الطريق فوجد نفس المرأة تقف، وما كان على المعني إلا  أنه توقف ونزل شخصيا بهدف إقناعها ومحاورتها.

صراحة أعجبتني هذه الواقعة، وقلت شتان بينها وبين ما يحدث عندنا في الوطن العربي، حين تغيب ثقافة الحوار وكل قنوات التواصل عن أداء مهامها والسير الحسن لها، والتي غالبا ما تبرز للعامة كشعارات ليس إلا، لكنها غائبة غيابا كليا عن التطبيق.

ولا تقتصر هذه الظاهرة السلبية فقط على الرؤساء والمسؤولين السامين عندنا، بل تجدها حتى عند موظف في البلدية وليس رئيس المجلس الشعبي البلدي، ونقصد كيف أنهم يتعاملون ويحادثون مواطنيهم من أبراج عالية، ومن مركزية النفوذ وما يعيشونه داخل مراكز تجعلهم يرون الأفراد العاديين مجرد رعاع ومصدر تعب وإرهاق وجب التهرب منه والتنصل من مطالبه المتشابهة؛ لأن جميعها يدور حول السكن والعمل والمنح الاجتماعية.

هذا النوع من التقاطع السلبي أدى بالتأكيد إلى بروز وتفاقم الكثير من مظاهر العنف والكره وتراكم الأحقاد، بل وسّع الفجوة بين الإدارة والمواطن، وجعل مسافاتها متباينة بعيدة المدى، وشجّع على ظهور الكثير من التصرفات والسلوكات التي تصدر من أصحاب النفوذ، سواء ماليا أو إداريا، يتصلون متى شاؤوا ويخططون متى شاؤوا ويستقبلون من شاؤوا.

لتتحول في آخر المطاف المسؤوليات التي يشرفون عليها عبارة عن مزارع ومستودعات خاصة، يمتلكونها لوحدهم من دون أدنى شعور بقيم وشعارات كانوا قد رفعوها أثناء حملاتهم الانتخابية، ومن هذا المنطلق، فأنت تجدهم غاضين الطرف لا يسمعون ولا يرون، إلا أنهم الأجدر بذلك، ومن يحاول انتقادهم أو تبيان الكثير من عثراتهم، يحاربونه بشتى الطرق.

خاصة إذا كان مدونا على شبكات التواصل الاجتماعي أو مراسلا صحافيا، وهناك فئة أخرى والعياذ بالله، تمارس التناقض الصارخ في شخصياتهم بين قول وفعل.

حيث تراهم يتشدقون بأنهم من هواة وعشاق الرأي والرأي الآخر، لكن بمجرد أن يحدث تعارض بينهم وبين آراء مخالفة، ينقلبون بسرعة جنونية على ما كانوا قد تقوّلوا به وصاروا من أكبر المستبدين.

التاريخ العربي والدراسات تحفظ لنا كل ما كُتب في هذا لشأن من حكام وسلاطين وصل بهم الأمر إلى سجن الكثير من العلماء والأدباء والفلاسفة والأئمة ممن خالفوهم التوجه.

وسوف تبقى هذه المعضلة ذات «ماركات» عربية صرفة وخالصة، بل قل في جميع بقاع وأقطار العالم الثالث؛ لأن البيئة لا تزال ملوثة بكثير من الأفكار الفاشية، بدليل أن وصول هؤلاء وأولئك كان بطرق تصاعدية، إلا من رحم ربك.

وباختصار، تظل وتبقى مشكلة التعالي هي طبع من الطباع الفاسدة المفسدة، التي لا ينجر عنها إلا مزيد من الكره والبغضاء، ولا تساهم صراحة في تنمية محلية ولا ترتقي إلى مستوى التواصل الإيجابي، الذي بفضله يمكن للأمم أن تتقدم وترتقي، لكن شتان بين الأماني والتطبيق.

رابط دائم : https://nhar.tv/jYyBz
إعــــلانات
إعــــلانات