إعــــلانات

الماء الذي كان يحيينا.. صار يقتلنا

الماء الذي كان يحيينا.. صار يقتلنا

ما الذي سنقوله عن أنفسنا ومن باب الاستحياء الشخصي، أن تعبث المياه بأجساد وبنايات الجزائريين، ليس فقط في المناطق الجنوبية والمعزولة كما اعتدنا، لكن هذه المرة حتى في العواصم الساحلية، حيث عرّت الفيضانات الوجه القبيح لمعظم الأحياء العتيقة والجديدة، التي تمت تهيئتها من طرف مقاولين أكملوا مشاريعهم واختفوا بسرعة البرق عن الأنظار ولم يعد أحد يسمع عنهم.

كنت مرة أنا وزميل لي، نسير فوق طريق معبّدة منذ بداية الثلاثينات من القرن الماضي، ورغم ذلك فهذه التركة الاستعمارية مازالت تحافظ على نسقها المحكم، وصيانة نفسها بنفسها، والمغزى منها أنه لا يمكن مقارنتها بطرق حديثة أنجزت مع مطلع القرن 21 من طرف مقاولين جزائريين يعتمدون على مخططات هندسية مُغرية، وهي مرسومة على الورق، وبمناهج عصرية، لكنها على أرض الواقع تبدو شبه منقوصة حتى لا نقول مغشوشة.

ثم حينما تأتي الأمطار التي هي كرم من السماء يتأكد لنا بأنها مغشوشة مئة من المئة ـ الطريق ـ لسنا ندري لحد اللحظة ما الذي أصاب هذا البلد العزيز من طرف أبنائه، يوم توكل لهم المهام التي القصد منها دفع عجلة التنمية نحو الأمام، لكن في غالب الأحيان ينجزون مشاريعهم هذه أو تلك بطرق دراماتيكية.

سواء تعلق الأمر بالطرقات أو السكنات بمختلف صيغها، أو تهيئة البالوعات وقنوات الصرف، وصراحة ليس لأحد أن يتحكم في هذا النوع من الفيضانات، ولكن من المؤكد أنها توضع الاستراتيجيات المُسبقة التي تضع في الحسبان أي طارئ، من أجل توجيهه الوجهة الصائبة واستغلاله لفائدة الإنسان والمنشآت وليس العكس.

ولكن للأسف الشديد بتنا فقط نسمع بأن هذا الوالي أو رئيس البلدية، وبعد أن تحدث الكوارث تجدهم يندفعون لزيارة مخلفات هذه المهزلة وتلك، واقفين وقفة الشاهد الذي لم يشهد على شيء، والأصل هو أن يوضع فريق من الخبراء والتقنيين الذين يعطون الضوء الأخضر لهذا الإنجاز وغيره، قبل المصادقة عليه.

المؤسف أن هذا ما لم نتعلمه وما لم يحدث، وكأننا لا نريد أن نتوجه نحوه أو نعمل به، مصداقا للحديث الشريف: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».

لذلك دائما وأبدا ونحن نكررها هنا بأن الضمير الحي غائب، سواء عند هؤلاء المسؤولين أو لدى المقاولين أو حتى التقنيين الذين بدورهم صاروا ينخرطون في لعبة (كوّر ومدّ لعور)؛ لأنه ولا أحد سيراقب بعدهم.

كيف لا وهم المختصون والخبراء ممن تخرجوا في أكبر المعاهد وأغدقت عليهم الدولة ما أغدقت وفي الأخير يتجردون من أبسط المبادئ الإنسانية، حين يتواطؤون وبشكل آلي مع أصحاب النفوذ الإداري وأرباب المشاريع الكبرى، الذين لا همّ لهم سوى انتظار الفواتير ومتى يُغلق عليها.

من هنا، فالنِعم التي كانت ولازالت تأتي من السماء أو من الطبيعة صار طعمها عندنا مرا كالعلقم، بل هي تشردنا وتقتلنا كباقي المخلوقات، وكأن بها عقابا ربانيا حتى نتعظ ونعيد حساباتنا جيدا.

رابط دائم : https://nhar.tv/HlmB8
إعــــلانات
إعــــلانات