إعــــلانات

طهارة المظهر مدخلا لطهارة الجوهر والعقل

طهارة المظهر مدخلا لطهارة الجوهر والعقل

لست هنا لأعطي نصائح للناس بغية معرفة سبل التطهير، سواء في المحيط العام بشقيه الداخلي والخارجي، أو أن الأمر يتعلق بطهارة الجسد، لأنه آليا حتى الحيوان وما أدراك ما الحيوان، يعمل في كثير من سلوكاته على تنظيف محيطه ونفسه، فما بالك بالإنسان الذي خُلق في أحسن تقويم، وتم تكريمه من طرف المولى عزّ وجل، وتمّ حمله في البرّ والبحر ليرى ويتبصر ويتعّظ.

هناك واقعة عشتها وأخالها هي من دفعتني إلى التطرق لإحدى الظواهر السلبية، ليس فقط في مجتمعنا، بل في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وهي أنني كنت في سفر لمدينة قريبة قصد التسوق، وحدث أن جلس بجنبي في الكراسي الخلفية لسيارة «الطاكسي»، أحد الشباب الملتحين، وما إن بدأنا الحديث في شؤون الدنيا، حتى بدأت أتحسس رائحة غير عادية، بل قل لا تطاق نهائيا تصدر من فمه، وعلى الرغم من أن الحديث كان ذو مستوى عالِ.

وكان صاحبي في قمة وعيه حين راح يحلل بعض المسائل الهامة، لكنك وجدتني ما إن حاولت الرد والإجابة على بعض من الطروحات، إلا وأدرت رأسي في اتجاه معاكس، متجنبا في ذلك تلك الرائحة المقززة، وهنا أحسست بأن كل الحديث الذي خضناه تمّ إفساده من جراء هذا المشهد المُنفر، حيث بقي ذهني مرُكزا على أهمية التخلص من هذه الصدمة وليس أهمية أفكاره، وكانت غايتي القصوى هي متى تحين لحظة الوصول حتى أتنفس الصعداء، وأنفصل عن هذه البيئة القاتلة، وحين جلست مع أحد الزملاء الآخرين طرحت عليه هذه المعضلة.

وقد أعاد الأمر إلى أن صاحبنا يعاني من مشكل داخل معدته أو لثته، والارتداد المريئي، فهي حسب المصادر الصحية من تفرز هذه الروائح، أو بعض أمراض الكبد والكلى، كذلك التدخين وبعض بقايا الطعام، وليس الأمر متعلقا بعدم استعمال معجون الأسنان والفرشاة فقط، وضمن سؤال بريء، لماذا هذا الصاحب لا يعالج مشكلته البسيطة هذه خاصة ونحن في عصر يتميز بتقدم رهيب في وسائل العلاج؟، معاتبا إياه عن أن الرائحة العطرة والزكية مهمة جدا للإنسان ومحببة الناس إليه، وهذا ما ينطبق عن أنك في غالب الأحيان تجد نفسك تحترم هذا الشخص من خلال رائحته المنبعثة منه، سواء تعلق الأمر بنوع من العطور أو أنواع المسك، بل تتغنى بها وتحاول أن تحصل على جزء منها، هذا بالنسبة للفرد العادي، فما بالك إذا كان الشخص متدينا ومظاهر التديّن بادية عليه، فهو أولى بها ووجب عليه العمل بها.

أما إذا كان مع مرض شائع كحالة صاحبنا، فكان بمكان أن يفكر ولو بأيسر الحلول التخلص منها ومعالجتها في أسرع الأزمنة، لأنه لا يوجد شيء مستحيل في هذا العصر كما أشرنا، وأن يضع في حسبانه أن الآخرين يلاحظون، لأنهم يملكون حواسا ومشاعر حادة، والغريب حقا إن كان صاحب هذه الحالة متمكنا ماديا وليس ميسور الحال.

وهو فعلا ما كان عليه صاحبنا للأسف الشديد، لأنه لا يمكن التعامل مع الآخرين وفيك شيء ما ينفرهم منك، سواء كان حديثا مملا أو به نوع من المبالغة والكذب أو ترافقه رائحة كريهة كما هو مع حالتنا، وقديما جاء في ذخائر العرب «كلامك يرفعك أثناء جلوسك.. وثيابك ترفعك أثناء قيامك».

وقد جاء في قرآننا الكريم كذلك وفي سورة «المدثر»:«وثيابك فطهّر»، وكذلك في «التوبة»: «والله يحب المطهرين»، ثم في «البقرة»:«إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين».. ونخلص في النهاية، عن أنه لا علم ينفع صاحبه وهو مجرد ومنزوع من الوعي، لأن مسألة توفر الوعي لدى الإنسان مهمة جدا، وإلا صار غير عاقل والعياذ بالله، بعدها فإن جميع الأمور تهون، لأن الوعي هو رجاحة العقل والبصيرة وليس البصر فقط.

رابط دائم : https://nhar.tv/UVpvc
إعــــلانات
إعــــلانات