إعــــلانات

عندما ينتقل صخب الملاهي إلى حياتنا اليومية

عندما ينتقل صخب الملاهي إلى حياتنا اليومية

لا أحد ينكر بأن جلّ الشباب، حتى لا نقول كلهم، إلا من رحم ربي، أثّرت فيهم وبشكل عميق عوالم الغناء، وأيّ غناء، ذاك الذي تصدح ترهاته وتفاهته من جحور الملاهي، التي يكون المال كذلك محورها المحرّك ونبضها الأساسي. الأغنية التي من خلالها يستطيع أي باحث أن يلج إلى مستوى وحجم العواطف والمشاعر الصادرة من الطرفين؛ لأنه يستحيل أن تتوجه نحو مؤسسات أخرى، كالجامعة والإدارة أو الثانويات، بل تنحو نحو المواقع الأكثر قربا من الواقع الجاري والحي.

ومن هذه المرابض الحرة تخرج بخلاصة حتمية، وهي أن عوامل التأثير والتأثر بدتا ناصعة للعيان؛ فيوم كانت الأغاني الملتزمة تملأ البيوت، كان للعلاقات العاطفية شأن يؤخذ به.

وكانت هذه الموجات الدخيلة والتي مفصلها وعصبها هو «الراي» ولا أقصد «الراي الأصيل»، ممنوعة وتخدش الحياء، إلى غاية أن تميّعت الحياة العامة باسم الحريات الفردية والتقليد الأعمى، فلا هي أصبحت كالمُقلّدين ولا هي حافظت على أصالتها ومحليتها، أضف إلى ذلك التطور المادي والتكنولوجي الذي شتت الإنسان وجعله عبارة عن قشّة تذهب بها الرياح حيثما شاءت وأبت.

وكذا بروز نماذج وطرق جديدة للتجارة والتوظيف والسياحة ودخول الأنترنيت و«الفايسبوك» و«التويتر» و«اليوتيوب»، حتى وجد الجميع نفسه بين مخالب اللافهم والتيها.

وكأنه والعياذ بالله انقرضت كل الحميميات من وجدانه وأصبح كل شيء يسير كما يطلب الأقوياء ماديا، ليؤسسوا لنا نوعا جديدا من الليبيرالية الرأسمالية، حتى وأن بلدنا العزيز يتحاشى دوما أن يُكنى بـ«الرأسمالي»، لكن حقيقة الواقع فرضت نفسها بقدرة قادر، وعدنا إلى عهود الإقطاع والاستعباد.

وصارت حياتنا تشبه المحيط الشاسع، سمك يأكل سمكا وسمك يتمازج ويتلاقح مع نوع آخر، لتخرج إلى الوجود مخلوقات غريبة، لا هي شرقية ولا هي غربية كما يقال، بل هي نتاج الفوضى والخلط الجهنمي الكبير الذي التهمنا كصغار السردين.

ولم يترك إلا تلك الوحوش المستوحشة أصحاب الأنياب والمخالب الحادة، تعبث بجميع القدرات والكفاءات الأصيلة، وتجعل منها مجرد قشور تُداس تحت أقدامها، ويصبح الحب كأحد رموز النفوس البشرية، يسير أعرجا ومغشوشا وتنقلب عليه مفاهيمه الصحيحة، ونصير بعدها مجرد مشاهدين مندهشين من أرقام الطلاق والخلع؛ لأن كل شيء بُني بوسائل مغشوشة ووُلد بطرق قيصرية، وأصبح مصطلح «أصلي» مفقودا وغريبا، بل عملة نادرة.

رابط دائم : https://nhar.tv/GBcQr
إعــــلانات
إعــــلانات