إعــــلانات

 قصة صديقي مع امرأة يهودية أنقذته من السجن

 قصة صديقي مع امرأة يهودية أنقذته من السجن

أعرفه جيدا.. هو شاب يافع كان على شفا حفرة من أن يقبع لأزيد من سنتين خلف القضبان، بسبب عجزه عن دفع تكاليف النفقة لزوجته الأولى، والتي مرّ على تطليقها أزيد من سنة، وقد قارب سنه الأربعين، حينما كان مهددا من استدعاءات المحضر القضائي.

فكتب رسالة إلى وكيل الجمهورية يلتمس فيها إمكانية مساعدته؛ لأنه لا يملك دخلا مستقرا، فلا هو موظف ولا أي شيء، بل بطّال يملك «شهادة احتياج»، وبالتالي فهو عاجز عن دفع المبلغ الإجمالي دفعة واحدة. هذا الترجي لم ينقذه من مخالب القانون، لذلك استدعي للمحاكمة، وحينها طبّق القاضي القانون بحذافيره «سنتان حبسا نافذا» بحجة الإهمال العائلي وعدم تسديد حقوق الزوجة.

في المحكمة الابتدائية حدث كل هذا، وحين استأنف المعني قضيته، كان يُمني النفس أن يصادف قاضيا رحيما لحالته، وحينما وقف على المنصة بعد أن نودي على اسمه، لم يكن يدرك بأن سيدة كانت تجلس خلفه وتستمع بنهم إلى كل المشاكل على مختلف مشاربها، وأبرزها تلك المتعلقة بحالات الطلاق التي ضربت رقما قياسيا في السنتين الأخيرتين.

هذه السيدة العجوز التي توفي زوجها أثناء الحرب العالمية الثانية، كان لها بيت عريق في عاصمة الولاية، وعقار عريض تستأجره كمحلات لعدد من الخواص، وقد يمكن تصنيفها ضمن الطبقة البرجوازية منذ ستينات القرن الماضي، فأحسّت وهي تستمع إلى مأساة هذا الشاب، بأن الوضع في الجزائر لا يبعث على الخير أبدا، من خلال الكم الهائل من المشاكل العويصة التي أفسدت يوميات الملايين من الناس، لذلك فقد تغلبت عليها مشاعر العاطفة وهي تستمع إلى بكاء هذا الشاب أمام قاضي الجلسة، بل التمست بين كلماته صدق محنته.

ولم تطرح قط أسئلة العامة من الناس، لماذا أدخلت نفسك يا بني فيما لا يحمد عقباه؟ ولماذا أصلا تنخرط في مشروع الزواج وأنت شاب بطّال، على الرغم من أنك تقول بأن مستواك جامعي؟!

انتهت أطوار هذه الحادثة بأن التقت السيدة بالشاب بعد أن أعلن عن أن الأحكام سيتم الاستماع إليها بعد المداولة، فتجرّأت وحدثته في الرواق بعد أن طرحت عليه عدة أسئلة، واختبرته فيها وهي تشاهد جميع الوثائق والقرائن أمامها، وبعد أن تأكدت، سلّمته صكا بنكيا به ثمن دفع النفقة كاملا.

هذا السلوك الإنساني اعتبره الشاب هبة من السماء، وأن الأقدار كانت في صالحه، بعد أن قضى ليلة أمس مرهقا يفكر في مصيره المجهول، مشتّت الخاطر منكسر الوجدان، تعيس الحال لأزيد من أسبوعين، حيث طاف جميع بيوت أفراد أسرته مترجيا أخواله وأعمامه كي ينقذوه من هذه الصدمة التي حلّت به، بل ذهب به الحال أن عرض مشكلته على أحد المقاولين من جيرانه.

وكل هذا وذاك لم يشفع له، أي أنه لعب جميع أوراقه، فباءت جميع محاولاته بالفشل، وعندما التقيتُ بهذا الشاب، حدثني بكل ما مرّ معه من أطوار هذه الملحمة، لا لشيء إلا أنه كان يتصل بي من قبل من أجل أن أحرر له المراسلات الإدارية.

وكان يقصّ عليّ كل ذلك بنفسية المنتصر المحظوظ الذي حلّت عليه معجزة أنقذته من ورطة أكيدة، إلى درجة أنه وهو غير مصدق، عرض عليّ نسخة الصك الأصلي قبل أن يودعه البنك يوم عاد من عاصمة الولاية، مستغربا من أنه كيف لأهله أن يفرّطوا فيه ولم يتخذوا موقفا لمساعدته.

وفي النهاية امرأة لا يعرفها لا من قريب أو من بعيد تدخلت وأنقذته في آخر دقيقة!، وبعد أزيد من ساعة في مجالسته عرفت من خلال اسم هذه السيدة المجسّد على ظهر الصك، من تكون ومكانتها في عاصمة الولاية، وهي عائلة معروفة تاريخيا بجذورها اليهودية القديمة، وهذا ما زاد في شطط أفكاري، وجعلني أشارك جزءا كبيرا من ملحمة هذا الشاب.

وأضع نصب عينيّ هذه النقطة بالذات متسائلا، هل هذه السيدة التي هي يهودية الأصل أرحم وأكثر وعيا وإنسانية من أهل وأقارب هذا الشاب الضحية؟!، وضحية هنا بمعنيين، ضحية نفسه وواقعه البائس الذي أوصله إلى هذه الحال، بالرغم أن حياتنا الاجتماعية والثقافية تعلمنا منها أن اليهود هم أعداء لنا في كل شيء، بدءًا من التاريخ إلى الثقافة إلى العروبة والهوية والخصوصيات، لكن هناك مواقف بلا شك تقبل عدم الأخذ بجميع هذه المترادفات التاريخية أو الاتكاء عليها أو اتخاذها مرجعا قطعيا، وها هي واحدة منها سأظل شاهدا عليها طول الزمن.

رابط دائم : https://nhar.tv/IRvHG
إعــــلانات
إعــــلانات