إعــــلانات

هكذا قتل الجهل والدة صديقي.. بعدما نال منها السرطان

هكذا قتل الجهل والدة صديقي.. بعدما نال منها السرطان

تحية طيبة وبعد:

صديقي توفيت والدته بعد ست سنوات قضتها مع المعاناة من سرطان القولون، وقد كلفته كل هذه السنين أموالا طائلة.

كابد فيها صديقي الكثير من المشقة والمتاعب، بل انعكس مرض والدته على نفسيته إلى درجة أنه أصيب بعدة اضطرابات آنية.

وصار يعيش عشرات التناقضات في سلوكه وتفكيره اليومي، وكنت شخصيا ألاحظ كل هذا، ومرات أحاول تصحيحها وعلاج البعض منها.

إلا أنني غالبا ما كنت أصطدم به، لأنه لم يكن يقبل النقد، وكنت ألح عليه بأن يقبل بهذا مقدما له كل الأدلة والحجج والبراهين الكافية.

وذلك ليعرف أنه انحرف عن هذا المسار، لكنه كان يختم حديثه حين يعترف لي بحق النقد، عن أنه يفعل ذلك نتيجة عدم استقراره.

وهو أولا وأخيرا المرض العضال الذي لازم والدته رحمها الله، وأن ثقل المشاعر تجاهها والتفكير فيها.

قد أجبراه وألزماه على أن يقول الفكرة أو الكلمة ثم يتفوه بنقيضها الصارخ، تناقضات زميلي هذا ليست هي الأهم في موضوعنا، بل مرض والدته.

فكما أسلفت الذكر وقلت، إن هذه السيدة قضت ست سنوات كاملة تحت سلطة وجبروت هذا المرض القاتل.

الخمس سنوات الأولى كلها كانت رِواحا ومجيئا صوب الرقاة فقط، وفي السنة الأخيرة اهتدت إلى زيارة الأطباء.

لتعرف أن مرضها هو السرطان الذي ماتت بسببه، وصراحة وحتى وأنا أؤمن بأن الموت قضاء وقدر.

لكني تمنيت أن يعرض صاحبي في البدء والدته على طبيب متخصص في الأسبوع الأول، بدلا من الأسبوع الأخير من السنة الأخيرة.

وهو ما يعرف طبيا بالكشف المبكر عن المرض، حتى يتمكن من أخذ الوقت الكافي ومعالجة والدته عن طريق المتابعة المستمرة.

إلا أن صديقي حتى لا أقول الأسرة كاملة، كانوا مدمنين على زيارة الرقاة حتى ولو تعلق الأمر بصداع في الرأس أو إخفاق في نيل البكالوريا.

حيث كانوا مولعين بالرقاة والذين من المؤكد، أنهم سلبوا منهم أموالا خيالية طيلة هذه السنين.

وحتى لا يفهم القراء أنني ضد الرقية، فأنا لست ضدها من الأساس، بل أحبذ التعامل معها بمنطق وفي إطار وظيفتها الحقيقية.

وهذا لأنه بحسبي -والله أعلم- أن الرقية أوصي بها في المقام الأول، وبدرجة قصوى في حالات المس بالجن وبعض الاختلاجات عند الأطفال.

وربما هناك مسائل جزئية لا أعلمها صراحة، لكنني أؤمن أن الرقية لا تعالج السرطان بمختلف أنواعه.

كما لا تعالج الروماتيزم والتهاب الأمعاء ولا تعالج الملاريا والطاعون والكوليرا وأخيرا التسمم الغذائي.

لأن هذه الأمراض لها وصفات وأدوية خاصة وكذا متابعات علاجية ما، وجب الامتثال إليها لأنها السبيل الأوحد للقضاء على هذا المرض أو ذاك.

الأكثر من هذا، أن هنالك نوعا من الناس في مجتمعاتنا من يلتجؤون للرقاة ويستنجدون بهم، ليس فقط إزاء هذه الأمراض.

بل لأمور تتعلق بالجوانب المعنوية والنفسية بالخصوص، كالعنوسة وعدم الزواج وعدم الحصول على مسكن وعدم الإنجاب والكوابيس المزعجة.

وقبل أي نوع من المسابقات حتى ما تعلّق بمدارس السياقة، كل هذا لهدف الحصول على بركة هذا الشيخ أو الولي أو الراقي والمنجم الصالح.

وقد أكد العلم أن لمثل هذه الاختلالات الاجتماعية، والتي هي في الأصل تحصيل حاصل، وجب معالجة أسبابها أولاً تجنبا للوقوع فيها.

لكن للأسف الشديد غياب العقل العلمي دائما وأبدا، يجعل لمثل هذا النوع من الدروشة الإيمان القطعي بأنها السبيل الأنجع والأسلم.

صديقي هذا الذي وقع فريسة سهلة، تأكد بعد سنوات وبعد أن خسر أمه وقرابة المليار سنتيم، حسب تصريحاته.

اعترف بعدها بأنه سلك الطريق الخطأ، وأنه كان بإمكانه إنقاذ أمه لو حدث أن عرضها على أخصائي، هذا إن علم أنها مصابة بالسرطان لكنه لم يكن يعلم.

وهذا لأنه كان فقط يرى كباقي أقرانه بعين واحدة، وهي الإسراع والهرولة نحو الراقي في أي نوع من مصاب أو وجع.

أكيد أن هذه الظاهرة متفشية بقوة في المجتمع العربي، ليس لأن الأغليبة فقراء.

ولكن نظير الجهل المستبد وعدم وضع الأمور في سكتها الصحيحة، الذي وللأسف لا توجد محاولات للخروج منه.

وهو في الأصل نتيجة عدم السعي الحثيث وراء المعرفة الحقيقية بأصول الأشياء، وفي ذلك شقاء للناس كافة.

لأن الوصول إلى الحقيقة لن يتم إلى بالمشي والمضي نحو العلم، وهذا ما سبقتنا إليه الدول المتقدمة، والتي لازلنا نتساءل لماذا تقدموا عنا ونحن تأخرنا؟

جمال نصرالله/ عين الحجل

رابط دائم : https://nhar.tv/kaKoN
إعــــلانات
إعــــلانات