إعــــلانات

يشتكون من ارتفاع الأسعار.. ويجسّدون التبذير بشكل كبير!

يشتكون من ارتفاع الأسعار.. ويجسّدون التبذير بشكل كبير!

معادلة غير متكافئة في الشهر الكريم

 تحية طيبة وبعد..

هناك نظرية اقتصادية عمل بها الكثير من الباحثين والعلماء وحتى الفقهاء والمتعلمين، وقد أثبتت صحتها مرارا، وهي أينما وجدت النظام وجدت الطعام، حتى وأنها لم تكن صالحة لكل زمان ومكان، وكذلك لا يصح تطبيقها على كل المجتمعات بطريقة مطلقة؛ لأن الذين قالوا بها كانوا يقصدون بها التنظيم البشري، الذي كان مفقودا بداية القرن العشرين، يوم كان الإنسان يعيش حالة من عدم الاستقرار وعدم وجود توازنات بين العمل والأكل والنوم والراحة، لكنها أثبتت صحتها مع المجتمعات الفقيرة، وخاصة المحسوبة على «العالم الثالث»، ومن المؤكد أنها لم تكن تعني الطبقات البرجوازية بمعناها الحقيقي.

وفي كثير من الحالات يمكن تطبيقها كمعايير أولية لتقييم هذا المجتمع أو ذاك، أو هذه البلدة أو تلك؛ لأنه في كثير من الأحيان، قد تجد الطعام بكثرة لكنك لا تجد النظام، بل الفوضى بجميع أشكالها وألوانها، خاصة ما يحدث مع المجتمعات حديثة النشأة، التي صارت بسرعة البرق أو بين عشية وضحاها في تعداد الأسر المتخمة ماليا وماديا ليس إلا، وهي التي تمتهن بطرق لا واعية مفهوم التبذير مع شتى متطلبات ولوازم العيش.

لو حاولنا تفسير مفهوم التبذير الذي لا يعني بالضرورة التخمة والبذخ، وإنما هو سلوك فكري طائش يتعلق بعدم حسن التدبير والقياس وضبط أمور الحياة بتشعباتها الغائرة، هذه الظاهرة تطفو على السطح في مجتمعنا الجزائري، خاصة إبان شهر رمضان؛ لأن الفرد الجزائري ظلّ مفهوم الصيام عنده متعلقا بالامتناع عن الأكل وفقط، وهذا ما يتنافى صراحة مع مقاصد هذا الشهر الكريم، الذي تكثر فيه العبادات والتوسلات للمولى عزّ وجل، وكل مآثر الخشوع ومحو الذنوب وطلب المغفرة.

وأكيد أن أولى مظاهر التبذير هذه هي ما نشاهده من عملية رمي لمادة الخبز، ناهيك عن بعض المواد الغذائية الأخرى، خاصة المطهية منها، وذلك بشكل يومي ومستمر، وهذا يدل على أنها ظاهرة سلبية بكل ما تحمله المعاني. والغريب حقا أنك من جهة تجد المواطن يعاني ويتألم حتى لا نقول يصرخ من وجع الارتفاع الجنوني للأسعار.

ومن جهة إذا نظرت إلى قمامته اليومية، تلاحظ مفهوم التبذير مجسّدا عليها، فيتشتّت ذهنك ولا تجد أي مبرر عقلاني لهذه المعادلة غير المتكافئة، فتطرح على نفسك عدة أسئلة، منها هل هذه الأسر التي هي المتسبب الرئيسي في هذه الظاهرة، لا تحوز على ثقافة مقاييس الطلب وكيفية تلبية الحاجة؟ ونحن هنا لا نتحدث عن شهر رمضان فقط، فالظاهرة هذه لها شأن آخر حتى في اليوميات العادية، وبالتالي لا يمكن ربطها بالأكل فقط، ولكن حتى مع الماء والكهرباء والغاز ومتطلبات الحياة الأخرى؛ لأنه كما أشرنا تحتاج إلى تنظيم محكم من طرف أرباب الأسر ومسيّريها كي يعوا حجم المتطلبات اليومية.

وأكيد أن هناك اختلاف جوهري بين العائلة والأسرة، لنخلص في الأخير إلى مسألة الإرشاد المُحكم، بين إرشاد للمصاريف والنفقات وبين معرفة دقيقة لمتطلبات الأفراد؛ لأن الأسرة مثل السيارة يلزمها نظام دقيق ومقادير معلومة ومضبوطة، وإذا اختلت هذه المعرفة الدقيقة، نتجت الفوضى وغاب النظام، الذي بغيابه يغيب كذلك الطعام، وإن حضر هذا الأخير غاب الأول، وظلّت الأمور في خلط مستمر ولا يمكن الجمع بينها أبدا ما دام أن ثقافة البيت الشاملة غائبة، والتي تحتاج إلى وعي متناهي الدقة.

رابط دائم : https://nhar.tv/Iny19
إعــــلانات
إعــــلانات