إعــــلانات

يعيش هنا وخياله ينزع نحو ما وراء البحار

يعيش هنا وخياله ينزع نحو ما وراء البحار

الملايين من الشباب الجزائري اليوم، لا يؤمنون بجدوى الحب كقيمة معنوية، ويعتبرون المعادلة المادية هي الفيصل في شتى الأمور، إذ نادرا ما تجد قصة حب ناجحة بين طرفين، قوامها الدوام والتواصل بسبب التسارع الزمني الرهيب، الذي جر معه جلّ القيم ودهسها كآلة تضغط بمخالبها من دون شرط أو قيد.

يبقى نجاح العلاقة العاطفية حسب دراسات أنثروبولوجية حديثة، مرتبط بحجم زمنه، فكلما طالت الفترة بين الطرفين في إطار تبادل الاحترام والود والتأني، كلما اقترب الحب من بناء نفسه حجرا فوق حجر، وطبعا مع وضع حسابات أن شبه البناء هذا، معرض للسقوط في أية لحظة، كما هو من جهة معرض للنهوض من جديد والتقدم في نسبة النجاح والشموخ.

عندما سمعت بحادثة الفتاة الفرنسية، التي أحبت الشاب البوسعادي ـ رحمهما الله ـ وقد استطاع المرحوم أن يُقنع هذه الفتاة بمدى إخلاصه ووفائه لهذا المكسب الارتباطي، استطاع كذلك، أن ينزل بها إلى مدينة الصبا ويعرّفها بأهله.

ثم الأعظم من ذلك أن يتوجها معا إلى زاوية الهامل القريبة وتعلن إسلامها هناك عن قناعة، وأثناء عودتهما وقع ما كان مقدرا ومرسوما في الجبين، فقد تعرضت سيارتهما إلى حادث أليم، رفقة أحد من أقربائه الذي كان معهم على متن السيارة وتوفوا جميعا، رحمهم الله على حسن النوايا.

هكذا كان أجلهما ولا مناص، لأن ذلك قضاء وقدر، والأكيد المؤكد أن لواقعة مثل هذه الكثير من العبر والمزايا وحتى التمعن والتبصر، لأن التضحية لم تكن إلا عاملا مكملا في هذه القصة وتحصيلا حاصلا، لأن الأصل والجوهر في الموضوع هو الحب الحقيقي، الذي كما أسلفنا آنفا صار مفقودا في زماننا، وبطريقة أشبع للحسابات الرياضية مادام الجوهر مفقودا.

فالنتائج المرجوة والمحتملة دائما تكون سلبية أو قابلة للانعكاس المفاجئ، وقد يتساءل البعض وبطريقة تشاؤمية، ما هي الكيفية أو بالأحرى الآليات التي تجعل الحب حقيقة ملموسة، وظاهرة حية في مجتمعات غلبت عليها كل مظاهر السوء والعجز، بل فقدان الأمل في كل شيء.

وهل بتعبير آخر أن شبابنا يعيش بجسده هنا فقط بينما خياله وطموحه ينزع نحو ما وراء البحار، لأن الحياة في هذا البلد صارت ضربا من المستحيل وتكوين أسرة والعيش تحت مظلة الاكتفاء الذاتي أسطوانات قديمة، سمعها وعاشها جيل السبعينات والثمانينات، ليس بسبب البحبوحة المالية آنذاك ولكن لبساطة الحياة.

ولحجج قد تكون أقرب للحقيقة الدامغة، وهي غلاء المعيشة والزيادة في الأسعار وضعف الدخل، كلها عوامل وفرت اليأس في الأسرة الجزائرية، وصار الخطاب الأسري اليومي، منصبا فقط على أهمية توفير لقمة العيش من دون الحديث عن مسائل أخرى، بدءا من المتطلبات المادية، ثم بعدها يمكن الحديث عن المتطلبات المعنوية.

وأكيد أن الحب أحد ركائز هذا المطلب الأخير، وتقول الحكمة المعروفة: «إذا دخل الفقر بيتا ما هرب الحب من النافذة».

في آخر المطاف يمكننا أن نستخلص، بعد أن نعرف كل تفاصيل حياة شبابنا، وواقعنا جميعا وسط هذا المدارات المريرة، بأن الحب كقيمة معنوية يظل مملكة مقدسة لها ثوابت معينة وراسخة منذ خلق البشرية.

فقط البشر هم ضحايا أزمنتهم، وإن أرادوا اكتسابها والتقرب إليها ـ أي قيم الحب ـ لزمهم بأن يكونوا مهيئين، ولحالاتهم النفسية قابلية ذات فطرة حية، من دون الاهتمام بمسائل أخرى تمتص كل السبل المؤدية لهذه الطاقة.

ويومها يكون الحب فعلا كيانا ناجعا وصالحا، وفعالا في أي زمان وفي أي مكان وليس بطرق أخرى تؤدي للتدمير وحرق الشخصية، بسبب النوايا السيئة.

رابط دائم : https://nhar.tv/3hWhq
إعــــلانات
إعــــلانات