بروميكو دخل الإسلام بالقنـابل.. وماركوس «بوڤـــرة» فخـــور بـ«الخضر» ويتـمنى جزائرية

تعتبر البرازيل التي تحتضن المونديال نموذجا حقيقيا للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، حيث تكفل الحكومة البرازيلية حرية الأديان وممارستها والدعوة إليها ونشرها، هذا ما ساعد الكثير من البرازيليين على اكتشاف عالم جديد، وتغيير اعتقاداتهم إلى دين يتميز بالوسطية والسماحة والطمأنينة اسمه الإسلام. أندري بروميكو أو «علي»، وماركوس أو «مجيد عبد الحكيم»، هما شابان برازيليان التقيناهما مع بداية الشهر الفضيل، ونحن في مهمة عمل لتغطية مونديال البرازيل، ليحكيا قصتيهما المثيرتين حول اعتناقهما الإسلام، فكانت هذه الأسئلة: كيف أسلما وما الذي أثارهما في الإسلام؟ إلى ما يهدفان من اعتناقهما الإسلام؟ كيف هو رمضان في البرازيل؟ هل فيه حواجز للدعوة؟ ولماذا اختارا المنتخب الجزائري ليشجعانه إلى جانب السيليساو في مونديال البرازيل الذي وصل إلى المحطة قبل الختامية بعد التعرف على هوية منشطي نصف النهائي المرتقب بين البرازيل ألمانيا، والأرجنتين هولندا، كل ذلك سنورده فيما يأتي، مع إبراز معالم رمضان للمسلمين من السينغال، بنغلاديش، سوريا، مصر، المغرب وفلسطين في ساوباولو، وقبل ذلك نورد تفاصيل أولية عن الإسلام والمسلمين في البرازيل.
المسلمون قادمون بقوة في البرازيل
بالرغم من أن عدد سكان البرازيل تعدى 200 مليون نسمة، إلا أن النسبة الغالبة تدين بالديانة المسيحية وأغلبهم من الكاثوليك، لكن بين هذه الأغلبية توجد أقلية مسلمة تسعى لنشر الإسلام بقوة، وهو حال بعض الفلسطينيين البنغلاديشيين، ومؤخرا السوريين الهاربين من الحرب الأهلية في بلادهم، وحسبما كشفته مصادر رسمية لـ«النهار»، فإن عدد المسلمين وصل إلى مليوني نسمة، نصف العدد في مدينة ساوباولو، والعدد في تزايد مستمر ومرشح للارتفاع في ظل الاهتمام الكبير بالإسلام.
الرد القاسي لحكومة البرازيل على أمريكا قلب الموازين
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من حكومة البرازيل النظر عن كثب إلى الطوائف الإسلامية، بحجة أنها قد تأوي مراكز ما تسميه بالإرهاب، فأجابت البرازيل بأنها ستدافع عن جميع المواطنين البرازيليين بلا استثناء ضد أي تدخلات أجنبية، كان ذلك من أحد أهم أسباب المساهمة في إقبال عدد كبير من البرازيليين على اعتناق الإسلام.
برازيليات يطلبن «سعيد» للزواج والسبب مسلسل إسلامي
إلى جانب الرد القوي للسلطات البرازيلية على طلب وزارة الخارجية الأمريكية، كان للمسلسل التليفزيوني «لو كلون»، الذي بث لأول مرة قبل 13 سنة من طرف «قناة غلوبو» الأثر البالغ في انتشار الإسلام هنا في البرازيل، حيث لاقى هذا المسلسسل الذي تدور أحداثه في المغرب ويقوم بتصوير العالم الإسلامي، نجاحاً كبيراً، حتى أن عبارة «إن شاء الله» باتت تستخدم بطريقة شائعة في ساو باولو وحتى ريودي جانيرو، وأصبحت الكثير من النساء البرازيليات يخططن للتخلي عن دينهم من أجل الزواج من «سعيد»، البطل المسلم في المسلسل، وهو شخصية رومانسية ينال احترام زوجته، فغيّر هذا المسلسل نظرة الكثير من الناس للإسلام.
مسجد «صلاح الدين» موعد للصلاة وإفطار الصائمين وجلب مسلمين جدد
يقطن في مدينة ساوباولو، وهي الأكبر في البرازيل ورابع المدن مساحة في العالم، مليون مسلم ينتشرون في مركزها والضواحي، واللافت أن العدد الكبير منهم يعمل في التجارة. عند الحديث عن بدايات العمل الإسلامي في ساوباولو، يعيدنا ممن تحدثت «النهار» إليهم وأغلبهم قادمون منذ أكثر من 50 سنة، بالذاكرة إلى باكورة هذه الأعمال، وهي تأسيس الجمعية الخيرية في ساوباولو التي تعتبر أقدم الجمعيات الإسلامية في البرازيل والمعروفة بأم الجمعيات، ومن أهداف هذه الجمعية بناء بيت يذكر فيه اسم الله، فكان هذا المسجد «صلاح الدين» الذي وفقنا الله للصلاة فيه في أول أيام هذا الشهر الكريم، والذي تأتيه جالية من بلدان كثيرة سواء مقيمون أو زوار، في شهور عديدة بينها رمضان الذي خصص في طابقه العلوي لإفطار الصائمين، وهو ما أثار الكثير من البرازيليين الذين دخلوا الإسلام بمثل هذه الأمور التضامنية التي تجدها في ديننا الحنيف.
«أبو نظال» إمام المسجد قصته مع العربة وبنت الجمركي
يروي أبو نظال، وهو شيخ في السبعين لـ«النهار» قصة قدومه إلى البرازيل التي كانت قبل 49 سنة، هروبا من الأردن، قائلا: «طلعت من الأردن وعمري كان 21 سنة، اخترت البرازيل التي كانت مع بداية الفتوحات لشعوب مختلفة، من أجل الشغل، لم يكن الأمر سهلا بالمرة، ففي ثاني يوم من قدومي إلى هنا حدثت لي قصة (يضحك مطولا)، وأنا أسير بالعربة التي كنت أجوب بها المنازل، خفية عن الجمارك وإذ بصبية تصيح بصوت عالي: أبي جاء الشيخ لنشتري، فناداني وأدخلني منزله، فاكتشفت أنه جمركي بطلبه مني الوثائق، كان سينادي أصدقاءه ليحققوا معي، هنا تدخلت البنت وترجته للعفو عني، وبعد فترة أصبحت هذه الفتاة من العائلة»، وبعد مرور السنين أصبح هذا الشيخ إماما لمسجد صلاح الدين بساوباولو، يُعلِم من يريد الإسلام الشهادتين.
«ماركوس».. كاثوليكي دخل الإسلام بالأنترنيت ويريد جزائرية
اعتنق في ساوباولو الكثير من البرازيليين دين الإسلام، من بينهم»ماركوس»، الذي جاوز الأربعين من العمر بقليل، من عائلة مسيحية كاثوليكية، قصته مع الإسلام بدأت قبل اثني عشرة سنة، يرويها بلسانه قائلا: «أنا من عائلة مسيحية كاثوليكية، كنت شخصا غير طبيعي أحتسي الخمر وأخالط النساء، لم أحس بالسعادة، لكن قبل 12 سنة دخلت الدين الإسلامي، كل ذلك بفضل الله سبحانه، لقد أثارني الإسلام بالأنترنيت، حيث كنت أبحث مطولا في الأديان فلم يثرني إلا الإسلام الذي اكتشفت فيه الكثير من الأمور التي تجعل الإنسان سعيدا فتوجهت إلى هذا المسجد «صلاح الدين» والتقيت بالشيخ وأعلنت الشهادتين، وأصبح اسمي الآن مجيد عبد الحكيم، أنا الآن سعيد جدا ولا تنقصني إلا زوجة لأكمل ديني، ولم لا تكون جزائرية، فأنا أحبكم».
«أحب بوڤرة.. لدي قميصه وحزت كثيرا لخسارتكم أمام ألمانيا»
أظهر لنا ماركوس أو مجيد، حبه الحقيقي لكل ما هو جزائري، حيث كشف لنا عن امتلاكه لقميص أصلي لبوڤرة «اسمي مجيد ولدي قميص للاعب الجزائر مجيد بوڤرة، إنه لاعبي المفضل، فهو يشبهني في حماسي وإصراري» ويكمل: «أناصر البرازيل لأني برازيلي لكن أحب الجزائر كثيرا فقد ناصرتكم كثيرا وتنقلت لمتابعة المباراة أمام ألمانيا، لقد حزنت للخسارة لأن الجزائر كان بإمكانها التأهل للأسف»، وقبل أن نودعه طلب: «هل تملك قميصا للجزائر في الفندق؟»، أجبته: «نعم».. «هل يمكن أن تجلبه لي غدا في صلاة المغرب».. «اتفقنا»، وودعناه للحديث إلى برازيلي آخر في الركن الآخر، كان أيضا يلبس قميصا ويمسك سواكا.
«بروميكو» .. أثاره استفزاز المسلمين بالقنابل فأسلم
قصة البرازيلي الثاني الذي التقيناه في مسجد ساوباولو هو»أندري بروميكو»، أو «أندري علي»، مثلما ألحّ علينا مناداته، هو مثل الأول مسيحي كاثوليكي العائلة أسلم قبل 14 سنة، ويحكي قصته فيقول: «كان أصدقائي يتحدثون كثيرا عن الإسلام والمسلمين بطريقة ساخرة، كانوا دائما يرادفون الإسلام بالقنابل، أردت أن أكتشف المسلمين عن قرب، ولماذا يفكرون فقط في إيذاء الآخرين بالتفجيرات.. فبدأت بمعايشتهم، اكتشفت عكس ذلك تماما، فهم أناس طيبون ولا علاقة لهم ولا للإسلام بالإرهاب، كان ذلك تغليطا فقط، بحثت في أعماق هذا الدين، وجدته مختلفا إنه يقول إن الله أحد ليس له شريك أو ولد، الإسلام دين مختلف واضح هذا حلال وهذا حرام، فيه أسلوب حياة مختلف تماما، اقتنعت وتوجهت لهذا المسجد وأعلنت إسلامي والحمد لله»، سألناه إن كانت لديه مشاكل وسط العائلة فكان الجواب فيما يلي:
«وفقت في إسلام 15 شخصا وإدارة المستشفى خصصت لي قاعة للصلاة»
واصل «علي» حديثه بالقول إن عائلته لا تسبب له أي مشاكل، ونفس الأمر في عمله حيث يشتغل في المستشفى: «عائلتي للأسف مسيحية، لكن لا تزعجني تماما، فهي تحترم ديني، أما في مكان عملي فالكل يحترمني، لأنني أدعو للإسلام باحترام والحمد لله وفقت في اعتناق 15 شخصا للإسلام، ووصل الأمر بإدارة المشفى أن خصصت لي قاعة للصلاة».
تيام وسيسي سينغاليان من الزاوية التيجانية يحبان الجزائر
ساوباولو مدينة تسع الجميع، فهي وإن تجمع 20 مليون نسمة، فبينهم مسلمون قادمون من بلدان مختلفة يبحثون عن مكان للعيش، وهو حال الثنائي السينغالي إبراهيم تيام وعمر سيسي، هما مقيمان في البرازيل منذ ثلاثة أشهر فقط وقدما إلى ساوباولو منذ شهر، هما يحبان الجزائر التي وصفوها بالبلد «الطيب» الذي يساعد السينغاليين «قدمنا إلى البرازيل من السينغال، نحن مسلمون، سعداء في البرازيل فهو بلد يسع الجميع والدليل أننا في هذا المجمع (يقصد الإفطار) من جنسيات مختلفة» قال عمر سيسي، ويقاطعه ابراهيم: «نحب الجزائر كثيرا لأنها تساعدنا ولنا نفس الاتجاه، فكلانا نتبع الزاوية التيجانية التي يرأسها الشيخ ابراهيم نياس، هنا في البرازيل لم نتنقل إلى الملعب، لأننا لا نملك مالا كافيا لشراء التذاكر، لكننا شجعناكم بقوة، لقد شرفتهم إفريقيا».
ولمصريي البرازيل اعترافاتهم: «لولا رئيسكم بوتفليقة ما تأهلتم في السودان»
من مسلمي البرازيل والسينغال وبينهما طرف مغربي اسمه أيمن خليل قادم من الدار البيضاء ومشجع للوداد البيضاوي، كان هناك مصريان هاني عدنان، وعمر الكسباني، تحدثا عن الجزائر بانبهار، فقال هاني الذي وإن بدأ كلامه بتذمر وشكوى من عدم تلقي راتبه منذ شهرين: «في الحقيقة المنتخب الجزائري شرفنا وشرف كل العرب بأدائه البطولي، كان يستحق أفضل»، ليعود بذاكرته إلى خمس سنوات خلت: «الفريق الجزائري مع هذا المدرب محترم جدا، عكس الفريق الأول لسنة 2010، فالتأهل أنذاك كان يمكن أن يكون لمصر في السودان لأن الفارق كان واضحا بين اللاعبين لولا الرئيس بوتفليقة الذي اتخذ قرارا كبيرا بإرسال الجماهير للمساندة، وهو ما أحدث الفارق»، بينما حاول عمر الكسباني تحليل خروج «الخضر» من الدور ثمن نهائي بالقول: «تابعت المنتخب الجزائري، أداؤه جميل وكان يستحق الدور نصف النهائي بالنظر للروح القوية اللي عندو، بس المشكلة كانت في نقص الخبرة والهجوم اللي ضيع الكثير».وبين تحليلات المصريين الذين تبقى خسارتهم بالسودان مسجلة تاريخيا، وحب السينغاليين للجزائر، والتزايد المستمر للمسلمين في البرازيل في ظل الدعوة المتواصلة، ودّعنا بلاد السامبا التي جاء فيها المونديال مميزا ببصمة واضحة للأفناك.