روستنبورغ… مدينة المناجم، التجارة، العنصرية والإجرام تحتضن “الخضر” في “الكان”

بعد سفرية دامت أكثر من 24 ساعة، من الجزائر إلى جنوب إفريقيا، مرورا بباريس الفرنسية، وضعنا رحالنا في مدينة جوهانسبورغ، بلاد البافنا بافانا التي تستعد لتنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا 2013 من المطار إلى المدينة الكلّ يحضّر لاستقبال الضيوف من جميع أنحاء القارة السمراء وشعارات “الكان” في كل مكان في مدينة تدب فيها الحياة وتجمع جميع الأجناس من كل بقاع الأرض.. في البداية توقعنا كل شيء إلا تواجد الجزائريين، غير أننا تصادفنا بوجود عائلتين جزائريتين في المطار، واحدة مقيمة في جوهانسبورغ والأخرى جاءت في عطلة من تلمسان، وأيضا جزائري آخر يعمل في الخطوط الجوية الفرنسية، غير أن المفاجأة كانت أكبر عندما أخبرنا محدثونا عن وجود آلاف الجزائريين من المقيمين أو العاملين في البلاد منذ سنوات.
أكثر من ساعتين من جوهانسبورغ إلى روستنبورغ والنقل بـ 3 ملايين سنتيم
بعدما أتممنا جميع الإجراءات الضرورية للرحلة، بدأنا في البحث عن وسيلة لنقلنا إلى مدينة روستنبورغ، مقر تربص “الخضر“، غير أنه لا يوجد سوى سيارات الأجرة للأجانب في المطار، فمحطات الحافلات تعج بالمجرمين، وجود لقطار أو “ميترو” إلى روستنبورغ ولا سبيل إليها غير سيارات الأجرة، والأسعار خيالية ومرتفعة جدا، فرحلة واحدة لمسافة 140 كلم بين المدينتين تكلفك 2000 راوند، ما يقارب 3 ملايين سنتيم، بينما سعر البنزين 12 راوند للتر، وحتى الطريق ليست مجانية يتوجب الدفع فيها 10 راوند عن كل 30 كلم.
أخيرا… روستنبورغ مدينة المناجم، الأموال، التجارة والتناقضات
بعد أكثر من ساعتين قضيناها في الطريق السريع بين الأدغال والجبال، يمكنك رؤية عن بعد مناجم البلاتينيوم، الماس، الذهب وأغلى المعادن.. إنها مدينة روستنبورغ، مكان يبدو في الوهلة الأولى هادئا كأنك في إحدى القرى المنعزلة، فلا فنادق ولا سيارات أجرة ولا حتى قطار أو وسائل نقل حديثة، باستثناء سيارات السكان والزوار الأوروبيين، ورغم هذا تعد روستنبورغ من أكبر مناطق التجارة في البلاد خاصة وأنها الأولى عالميا في انتاج البلاتين ومن الأوائل أيضا في استخراج الماس والذهب ومعادن أخرى.
العنصرية متأصلة لدى السكان والعلاقة بين البيض والسود من المستحيلات
في البداية وصلنا إلى المنطقة التجارية، هناك أجناس مختلفة، سود وبيض أوروبيون، هنود ومزيج من جميع الثقافات، غير أنه سرعان ما اكتشفنا أن العلاقة بينهم تجارية بحتة، فلا تجد أبيض مع أسود يتجاذبان أطراف أو يضحكان، بل لا يتحمّلون حتى النظر لبعضهم، فالبيض إلا يتحدثون إلا بينهم والسود كذلك. في البداية اعتبرونا برتغاليين أو يونانيين، بالنظر إلى لون بشرتنا، وهو ما جعلنا نستطيع محادثة البعض من الجانبين، لكن لا يمكن جمعهما في مجلس واحد، وقد حاولنا الحديث إلى شابين من الجانبين غير أن رجلا أبيض البشرة، وهو ألماني الأصل، رفض حتى التوقف، ثم عاد بعدما تركنا رجل أسود البشرة، واعتذر لنا بلباقة، كما عرض علينا حتى جولة في المدينة للتكفير عمّا فعله، كما أن البيض أو “الأفريكانا” كما يلقبون في البلاد، لا يركبون حتى الحافلات لأنها - حسبهم – خاصة بالسود فقط ومن لا يملك سيارة يبقى في منزله ولا يركب مع السود.
روستنبورغ 4 مناطق… تجارية مختلطة والبقية بين البيض والسود والمسلمين
هذا وبعد جولة كاملة في المدينة، يمكن تقسيمها إلى أربع مناطق بسهولة، حسب العرق، فالمنطقة الشمالية التجارية وأيضا منطقة المنتجعات السياحية مختلطة، لكنها للعمل فقط، بينما منطقة البيض فقط في الغرب ومنطقة السود في الوسط والجنوب، وحتى منطقة المسلمين من هنود وباكستان والصومال.
أغلب السكان بالأسلحة والخروج مساء إلى مناطق السود انتحار حقيقي
خلال يومنا الأول في المدينة قررنا استئجار سيارة لنقل المسافرين السود وطلبنا من السائق الذهاب في جولة صغيرة لاكتشاف المدينة وشراء شرائح الهاتف… كانت الساعة تجاوزت الخامسة مساء، المحلات مغلقة ولا بديل غير المدينة، سرنا حوالي 15 كلم لندخل في منطقة السود، الجميع يحدّق فينا، توقفنا أكثر من 10 مرات والسائق يحذّرنا من النزول أو النظر إلى من هو في الخارج، قبل أن نرى أحد السكان يحمل مسدسا ويسير بشكل عادي في المدينة، ليؤكد لنا السائق بعدها أن الحصول على السلاح في جنوب إفريقيا ليس صعبا على الإطلاق، كما حذّرنا “مايك” من الخروج بعد السادسة مساء من دون سيارة، خاصة في مناطق السود لأن القتل هنا عادي وبالأسلحة النارية.
الفقر والإجرام في مناطق السود… والرفاهية والثراء لدى الأوروبيين والهنود
هذا ويمكن تقسيم روستنبورغ أيضا إلى منطقتين، فمنطقة السود في الوسط والجنوب يعيش فيها السكان حياة بسيطة ويعاني الكثير منهم من الفقر الذي يزداد كلما ابتعدنا عن المدينة، وينتشر مع الجريمة في مناطق تواجد المهاجرين الأجانب من البلدان الإفريقية المجاورة، فيما تعيش الأقلية فقط من السود حياة الأغنياء ويتقاسمونها مع الأوروبيين الذين يملكون المال والسيارات ويعيشون في ثراء رفقة الهنود المسلمين الذين يصنّفون ضمن أغنى أغنياء جنوب إفريقيا، ويملكون حتى الأراضي والشركات.
الأمن في مناطق “الأفريكانا” فقط والنيجيريون يعيثون فسادا في مناطق السود
“مايك” صاحب البشرة السمراء، أكد لنا أن سكان جنوب إفريقيا مسالمون، وأن سبب انتشار الإجرام في وسط وجنوب المدينة هو تواجد السود الأجانب خاصة من نيجريا وبوتسوانا وزيمبابوي والكونغو، وهؤلاء يعيثون فسادا في مناطق السود التي لا تتوفر فيها الحماية الكافية، عكس مناطق الشمال أين توجد كاميرات المراقبة وسيارات الشرطة بكثرة، إلى درجة أن المكان آمن في صباحا ومساء في مناطق “الأفريكانا“، وهم السكان البيض الجنوب أفارقة.
11 لغة رسمية في البلاد وعشرات اللهجات المحلية
على صعيد آخر، يتحدث الشعب الجنوب إفريقي 11 لغة رسمية معترف بها في دستور البلاد، بينما توجد عشرات اللغات المحلية، وأكثر اللغات انتشارا هي الانجليزية والأفريكانا للبيض، بينما يملك السود لغة الزولو، الكوزا، الستو، الفاندا، السويتي، السبيدي، التسونغا، التساوتا والفناغالو، بينما توجد عشرات اللهجات المحلية الإفريقية في البلاد.
سعر الأنترنيت والاتصالات الأغلى عالميا
بالإضافة إلى الغلاء الفاحش في أسعار النقل والأكل الجاهز، تمتاز روستنبورغ وجنوب افريقيا بكونها الأغلى عالميا في أسعار الأنترنيت والاتصالات، فالاتصال دقيقة واحدة إلى الجزائر مثلا يكلّف ما يعادل 400 دينار جزائري، بينما ربع ساعة فقط في الانترنيت يكلف أكثر من 200 دينار بالعملة الجزائرية، أما وجبة واحدة “بطاطا مقلية” في المطاعم فسعرها يساوي أو يفوق 350 دينار، وحتى الأنترنيت في الفنادق ليست مجانية بل توازي وتفوق سعرها في الخارج.
روستنبورغ في عز الصيف… رطوبة عالية وحاليلوزيتش أحسن الاختيار
على صعيد آخر، تمتاز روستنبورغ بعلوها الكبير عن سطح البحر، كما أن معظمها جبال، كما يعيش السكان في هذه الفترة في عز فصل الصيف، أين لا تقل الحرارة عن 25 درجة، كما أن الرطوبة عالية جدا ولا يوجد مثلها في الجزائر أو أوروبا، ويبدو أن الناخب الوطني وحيد حاليلوزيتش درس جيدا المنطقة وأحسن الاختيار ببرمجة التربص في مكان إجراء المباريات حتى يتأقلم لاعبوه مع الأجواء الصعبة في المنطقة.
الملعب ليس جاهزا وفندق “الخضر” مغلق في وجه الجزائريين بأوامر من “الفاف“
هذا وخلال الزيارة الخاطفة التي قادتنا إلى ملعب “روايال بافوكينغ ستاديوم“، تبين أن غطاء المدرجات الجنوبية قد سقط على الكراسي قبل أيام قليلة، مما أجبر إدارة الملعب على غلقه ومباشرة ترتيبات تصليحه ليكون جاهزا لاحتضان مبارايات المجموعة الرابعة لكأس إمم افريقيا. من جهة أخرى، أعطت “الفاف” تعليمات صارمة – يومين قبل قدوم “الخضر” – لإدارة مركز “رويال سانتر” الذي سيحتضن المنتخب الوطني في تحضيراته لـ“الكان“، وهذا بمنع أي جزائري من إعلام وأنصار من دخول المركز الذي يعتبر من أفخم مراكز تحضيرات المنتخبات في المنطقة، وقد سبق له وأن احتضن تربص منتخب انجلترا في 2010.