إعــــلانات

عندما تصبح رمز الرّقة.. قاتلة وزاهقة أرواح!

عندما تصبح رمز الرّقة.. قاتلة وزاهقة أرواح!

يقف المرء مذهولا عبر ما يراه ويسمعه من أخبار عن انتشار الإجرام في هذا البلد العزيز، ولكن هذه المرة مع أبطال جدد إن صحّ التعبير، متمثلة في المرأة، والتي غالبا ما كانت ضحية لقساوة الواقع والرجل وذكورية المحيط المطلقة، لكن يبدو أن هذه القساوة الماضوية السابقة والآنية، حوّلتها من ضحية اضطهادات نفسية متراكمة، إلى فاعل مضاد كشّر عن أنيابه ليصبح محورا متحركا، لأفعال وتصرفات لا تقبلها الإنسانية ولا يقبلها العقل كذلك.

لم نقرأ في التاريخ العربي وعبر التراث المدوّن عن ظاهرة أن المرأة أصبحت قاتلة ومقترفة لفعل زهق الأرواح، فهناك حالات طبعا في التاريخ الأوروبي خاصة والروماني منه، فقط عن حالات انتقام تندرج في الحسابات السياسية والمؤامرات على تولي سدة الحكم، وقبلها كانت حالات انتحار، سواء بسم الثعابين أو بأعشاب سامة، مثلما حدث مع «كليوباترا» آخر من حكم «الفراعنة»، ضد نفسها وضد أمراء ووزراء.

أما أن تُقبل امرأة على طعن أو ضرب طفل بآلة حادة، ثم تقطيعه أو تخبئه في مكان معزول،  ثم رميه في مكان مهجور مثلما حدث في عدد من مدن الجزائر، فهذا ما لم يسرده لنا التاريخ عن كائن هو منبع الحنان والعطف والشفقة، إذ أن علماء النفس والاجتماع لم يخطئوا حين وصفوه بالجنس اللطيف، لأنه الأكثر رفقا وتسامحا.

فظاهرة قتل الأطفال أو تهريبهم والتنكيل بهم، لم نشهدها في الجزائر إلا زمن «العشرية الحمراء»، أينما ظل الجميع يسمع أن بعض الفصائل المدعية انتماءها إلى الإسلام تقوم بارتكاب مجازر في حق الرضّع والصبية، إبرازا لبشاعتها، وزمنها استثارت جل مشاعر البشر في العالم، لهول ما رأته من بشاعة وأعادت كل ذلك وحسبته عما يسمى بـ«العشرية الحمراء».

لكن مع سلسلة الجرائم التي  حدثت مؤخرا، وأبطالها نساء جزائريات، وتسليما باختلاف الأطوار والأحداث والكيفيات، فإن هذه الجرائم لها عامل واحد مشترك، ألا وهو الضغينة والانتقام، نتيجة ضغوط اجتماعية بالغة المدى والتأثير، فالعارفون بالأمور سيبدأون في دراسة الأسباب حالة بحالة، بغية التوصل إلى عوامل مشتركة تفيد بتشخيص دقيق وحاد.

والأكيد أن التصريحات تفيد بكثير في هذا المضمار، حيث ومن خلال الاعترافات الصحافية الأولية، تبيّن أن وراء كل ذلك إفراغ لشحنة من الحقد على ذوي القربى، والتي جاءت بعد تفكك أسري وتصادم كبير في الذهنيات، ترجمة للفوارق الاجتماعية غير المعقولة، والتي أحدثتها التطورات العالمية المتسارعة يوم عجز المجتمع الجزائري عن تلقيها واستيعابها، بل مواجهتها وهضمها، بل نظرا لضخامتها وجبروتها، فإن العقل الجزائري بدا قاصرا وذا أفق محدود لا تسمح له مساحاته بالتقبل والتأني.

ولو أردنا أن نختصر الأمور، لقلنا بلا لف ولا دوران، إنه العالم المادي الشنيع الذي أتى على الأخضر واليابس كل صفات التقارب والتآزر والتراحم، ماضيا في جعل العالم قرية صغيرة موحّدة على حد زعمه، فكان ولا بد أن يصبح كل فرد في العالم على شاكلة نموذج واحد، صنعه من خلال ما وصل إليه هو بفلسفاته، غير مراعٍ خصوصيات المجتمعات ولا تقاليدهم.

وفي المقابل، كانت مجتمعات العالم الثالث والتي لا تزال تتخبط في مشاكلها الاجتماعية والصحية، غير قادرة على تطوير نفسها، بل ركنت لشلل تام، ويأتي فريق ثانٍ ليقول لك إن التقاليد هذه نفسها من ظلت مهدِدة لشعوبها في مسألة النهوض بنفسها والتقدم والرقي، وهي من تتسبب الآن في مثل هذه الظواهر.

خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا الشرف والإرث والمديونية والزواج والتجارة وكذلك الديون، وفسخ الخطوبة والعلاقات المشبوهة والخيانة الزوجية، ناسين ومتناسين بأن العصب الوحيد الذي حاول وما يزال ينخر بسمومه، هو المال، ومن ينظر إليه عن أنه الجانب المقدس والميزة العظيمة للاستقواء والاستضعاف، وفعلا وجد ضالته هذا العنصر داخل مجتمعاتنا، لأنها ببساطة مجتمعات هشّة البنى، ضعيفة الإيمان وينعدم فيها الوعي أحيانا كثيرة، سمِها ما شئت، المهم أنها بلا ضوابط ولا قواعد.

وبالتالي فهي بلا قناعات وفلسفات في التعامل والحياة، وعليه سُنحت آلاف الفرص للبؤس والشقاء كي يركنا ويعشعشا بداخلها، ويبقى فقط أن تتقبل النتيجة مهما كان لونها وشكلها وحجمها، فقط كما أشرنا، لا بد من البحث عن الأسباب بدل من البكاء والنحيب أمام النتائج المفجعة، لأن الإيمان هو المخرج الوحيد الذي ينجي الفرد، ونقصد هنا بأن يؤمن الإنسان بأن هنالك قدر مكتوب في السماء، يسجل لهم كل خطيئة وكل حسنة، وإلا صارت الحياة بلا إيمان عبارة عن غابة من الوحوش القوي يأكل فيها الضعيف.

رابط دائم : https://nhar.tv/vFM7f
إعــــلانات
إعــــلانات