إعــــلانات

العصبية المتجذرة فينا.. علاجها ثقافي وتنويري

العصبية المتجذرة فينا.. علاجها ثقافي وتنويري

لا شك أن علم النفس الاجتماعي اليوم، كان قد حقق تقدما ملموسا في تشخيص ظاهرة العصبية بمختلف ألوانها وأشكالها، من دون أن يقدّم حلولا شافية، مثلها مثل الكثير من الظواهر السلوكية لدى الإنسان المعاصر.

وأغلب الظن، أن الدارسين ركزوا على البيئة كعامل مهم وأرضية خصبة لنمو هذا الداء العويص، والمقصود هنا ليس البيئة الاجتماعية أو الأسرية التي تعمل على تنشئة الإنسان، بل المقصود هو «المناخية الجغرافية»، ذلك ما أوجد عصبية متنوعة.

ويحفظ عامة العرب فضل العلامة ابن خلدون في هذا المضمار، الذي أحاط بطريقة «تليسكوبية» مشهدا عاما وليس دقيقا عن تغلغل العصبية في نفوس جعلت منهم مرضى من حيث لا يدرون.

وقبل هذا، فالأحاديث النبوية نبهت وحذّرت من تصرفات القادة والجند، وحتى العامة من الناس، الذين يطلقون العنان لغرائزهم كي تتصرف وتتحكم في السلوك، ولا يمكن البتة أن نفصلها عن أي مجتمع أو فرد في أي بقعة من العالم، فهي تمسّ الجميع.

وقد أخطأ الكثير من الباحثين في القول إنها تلزم الإنسان العربي من دون سواه، بل هي تلازم الأوروبي والآسيوي والأمريكي والأسترالي والصيني والألماني، لأنها تُترجم توجها فكريا حصريا ومنغلقا نتيجة الحب والتعلق بذات نرجسية أو بقوم ما.

ربما الكثير منا يحفظ حادثة الرسول الكريم مع أبي ذر الغفاري، يوم نعت أحد الصحابة بـ«ابن السوداء»، وحين سمعه النبي محمد «صلى الله عليه وسلم».

أشار له بأنه جاهل، فلجأ أبو ذر إلى معاقبة نفسه غامسا رأسه في الرمل، وحين شوهد قال:«والله لن أرفع هذه الرأس حتى تطأها قدم ابن السوداء»، وهو سلوك حليم منه أراد به أن يعاقب به نفسه نظير ما شعر به من ذنب في حق هذا الصحابي الذي ناداه بغير اسمه الحقيقي.

ومن المؤكد أنها ذرة حصى من مجموع عصبيات تمجّد الذات وتحتقر أو تستخف بالآخر، وقد تنبه لها نبينا الكريم محمد «صلى الله عليه وسلم»، وخاطب عموم الناس بمحاربتها، خاصة في «خطبة الوداع»، يوم بدأ بعبارة «يا أيها الناس»، ولم يقل أيها القوم أو الشعب أو الجنس أو بني كذا، وهنا دلالة رمزية بأن الإسلام دين العالمين.

إن حب الذات إذا هو صورة مصغّرة لحب العشيرة أو القبيلة أو القرية أو الدولة، ولو على حسابات الحق والإنصاف المتفق عليها، فإذا فعل هذا التسلسل الهرمي فعله تقوّت العصبية ورُمي بمبادئ التعايش نحو المزبلة.

ولم تعد هناك قوانين ضبطية ولا دساتير ولا حقوق إنسان ولا حريات عامة أو فردية، إنما هناك ذات متجبرة تتسلل، متعجرفة لتؤكد نفسها ولا شيء غير نفسها، لأنها - كما أشرنا – تكوّنت وترعرعت بين مراحل عصيبة قاسية، وخضعت لتنشئة طبيعية وتربوية لا تؤمن بالتنافس الحر ولا بالتعددية في مختلف مجالات الحياة.

وعليه، فقد شخّصها علم الاجتماع بمختلف فروعه وتوجهاته، لكن علاجها لا يحتاج إلى أقراص أو مسكّنات، إنما علاجها ثقافي حضاري وتنويري، قاعدته الخطابات الموجهة مباشرة وجها لوجه وبحجج دامغة صرفة، ويمكن علاجها كذلك في أن يراجع المرء ذاته ويراقبها ويضبطها، بل الأكثر من ذلك، يتحكم في توجهاتها حتى تستقيم على نسق معيّن، وتألف التعايش مع الآخر.

رابط دائم : https://nhar.tv/GWyW5
إعــــلانات
إعــــلانات