إعــــلانات

بئس التكنولوجيا حين تستغل للغرائز والحسابات الشخصية

بئس التكنولوجيا حين تستغل للغرائز والحسابات الشخصية

على الرغم من أن التكنولوجيا نعمة من نعم الله التي تزخر بها كل بقاع المعمورة وتستغلها البشرية في العيش الهانئ والكريم، إلا أن المشكل الذي يظل قائما ويؤرّق مضاجع الكثيرين، هو أن تقع هذه الخلاصة العلمية العظيمة بين أيادٍ لا تحسن استعمالها، بل توجهها حسب أفكارها العدوانية والعنيفة، ومرات العنصرية المقيتة والانتقامات الشخصية.

وقد شاهدنا وسمعنا في عدة مرات، كيف أن أشخاصا يستعملون الهواتف المسجلة لعدد من «الفيديوهات» يبثونها قصد الإساءة لآخرين والتشهير بهم وهم في مواضع لا يحسدون عليها، وفئة أخرى قبل أن تقوم بأفعالها المشينة هذه، تسارع إلى تهديد أصحابها على طريقة أفلام «الأكشن» حين يطلبون الفدية؛ لأنه لطالما ظلّ هذا السلوك ساريا للمفعول بحكم الغايات والأهداف التي مصدرها مادي في المقام الأول.

وقد توصّل كثير من المحللين والخبراء العارفين بجواهر الأمور، إلى أن المشكل أخلاقي بحت، ينتشر كالنار في الهشيم داخل المجتمعات التي تعاني من أزمة أخلاقية، ورأوا بأن الجزائر واحدة من هذه البلدان والدول المصابة بهذا الوباء الحضاري، بحكم أسباب معلومة، أهمها النمو الديموغرافي الرهيب المتزامن مع التدفق الهائل لموجات تطور عوالم الاتصال، وعلى رأسها الأنترنيت، التي لم تترك أي صغيرة وكبيرة إلا ووضعتها قيد الإنجاز والتنفيذ، بل قيد التجسيد والاستعمال، وأن هذه الأخيرة صارت متاحة للكل من دون أدنى شروط.

وبالتالي تداخلت المراحل ورؤى الأجيال العُمرية فيما بينها، وأضحى المرء لا يفرّق بين فكرة أو سلوك صادر من جنسين بشريين مختلفين، ولا حتى من أعمار متفاوتة، لذلك وجب أخذ الحيطة والحذر التامين أمام مسائل يكون مصدرها هو الأنترنيت و«الفايسبوك»، وكل الوسائل المرتبطة بها، وعلى رأسها الهواتف النقالة؛ لأن نشاطها داخل مجتمعات تعاني من تناطح الأجيال، وفضاءات يكون العنف والتعنيف أسيادها.

كان ولا بد أن تنتظر أي نتيجة حتمية، فهذا يقوم بتصوير الخصوصيات ونشرها وهذا يتخذها درعا للتهديد والوعيد، وآخر يساعد بها أطرافا أخرى، لتجدها فرصة للتنكيل والتقليل من شأن فلان وفلتان.

وكل هذا طبعا - كما أشرنا – يفسد العلاقات الإنسانية ويجعلها تتخبط في نفس المحور، وتجتر نفس الأساليب من دون تقدم يُذكر؛ لأنها مجتمعات تملك بيئة غير مؤهلة وغير ناضجة، لتقبل هذا النوع من التقدم الرقمي، فهي تستعملها كأدوات طعن وتجريح، وليس في سبيل الكشف والنقد البنّاء والتنمية في شتى المجالات.

ومن هنا جاءت المآسي الإنسانية الكبرى، بل هبّت هبوبها، لتستقر في دوران وحياة مستمرين، ولن تبرح المكان حتى تحقق مرادها.

ومنه نقول إن التقدم العلمي هو فعلا سلاح ذو حدّين، إن تمّ استخدامه بعقلانية وتروٍ، حصل التوافق البشري عبر كافة العلاقات ومناحي الحياة، أما إذا أطلق العنان للغرائز والميولات المراهقة، فلن نجني إلا الويلات تلو الأخرى، وظلّت مجتمعاتنا ومدننا تتخبط في دائرة الإضعاف وثمة الإضعاف، بدلا عن الانطلاق والتجديد وتهذيب النفوس والمواقف.

رابط دائم : https://nhar.tv/YOW6I
إعــــلانات
إعــــلانات